Friday 17 February 2017

الأستاذ بديع الرحمن: سلمى ! كيف عشت بعدك أعواما


 
سلمى ! كيف عشت بعدك أعواما
الأستاذ بديع الرحمن
 
ســــــــــلا القلـــب عـــن حـــــــب ســـــلـمى
فهــــــــل يمكن الســــــــل من ذكراهــــــــــــا
نائتــــك قبـــــــــــل سنــــــــــوات فجــــــــــــــــــــأة
فـلأي سبــــــب تتمـــــــــنى لقيــــــــــاهـــــــــا
تحاول من طلوع الشمس أن تنساها
فهــــــــل فـــزت النسيان إلى غروبهـــــــا
تغرق في المسئوليات من اليقظــــــــة
وتــرائي النـــــــاس كأنك نسيتهـــــــــــــــا
تــــــــدرس الأبـنــــــــــــــــاء والـبـنــــــــــــــــات
وتتــــــــلاشى في أنوائـهم أصواتـهــــــــــا
رب يوم تنبهت من شبهــها أمـــامي      
وخلفي ثم صحــــــوت من أحلامهـــــا
كل لمحـــــــــــة تــــــــدوم في قلبـــــــــــي
ولاأصوت عند الأصدقاء حزن فراقها
أتفــــكر مغـــــــــــــرقا في التفــكيـــــــــــــر
وما الســــــــر في إيابها وذهابهــــــــــا
إذ البريــــــــــة و العــــــــــــالم كلهـــــــــــا
ظلت على النطــــــــــــاق بدورانهــــــــــــــا
هــــــــــل يستوي الــــــــذي حضــــــــــــن
الأولاد و الـــــــــذي كابـــــد فـــــراقهــــــــــا
وفي البيت أرى أمها مضطربـــــــة
وخطوط الرزايا جلية على وجههــــــا
إذامـــــــــا تنفســـــــــت أحـس فــــــــــي
كــــــل نفستهـــــــــــا رنين زفــــراتهـــــــــــــا
يا ثكلـــــــــى كيــــــــــف أتعـــــــــزى بك
إذ أعرف عمق الجراحــــة في قلبهــــا
ومن لي بمسح العبرات من جفونها
لم تشـــــــح العين من ذرف دموعهــــا
هل التعزية ممكن لأم ماتت بنتها
شبكت صدرها حنـــــــانا مع قلبهــــــــــا
إذ دارت الدنيـــــــــــا مع أحوالهــــــــا
في إعراضهــــــــــــــا ولديمة بكائهـــــــا
أرى أمهـــــــــا تحاول تستفيــــــــــــــق
بتشغيل نفسها في أمـــــــور بيتهـــــــــا
أرى ســـــلّ النظـــــام في جهودهـــــــا
طبعا تحس الخلو الأزلي في حياتها
إذاما تنام الثكلى على مضجعهـــــا
تأرق مرارا في دجى الليل من رقادها
أرى تسيـــــــــــل عيناهــــا دموعـــــــــــا
وتحـــــــاول أن لا تخللني لبكائهــــــــا
فهـــــــــل يمــــــــكن لامرئ أن ينـــــــام
أثنـــــــــاء بكــــــاء الزوجة و زفراتهـــــــا
غضيــض الطــــــرف أقلّب جنبــــــي
وهي لا تشعر أني في الحزن شاركتها
وهي تكبو مرارا لوجهـــي هــــــــــل
خلّل سبــــــاتي منتصف الليل أنينهـــا
تقــــــــوم في الصبـــــــــاح و تصلي
وتطول المناجـــــــــاة في صلواتهــــا
وتسيــــــــل العبرات من عينيهــــــا
التمـــــاسا بكـــــل التضــــــرع لنجاتهـــــا
أشعـــــــــر بحسيتهــــــــا ووجدانهـــــــا
وما يحرق قلبهــــــــا لفقد وحيدهــــــا
ويهزني حسيتهـــا حتى تصطلي
قلبـــــــــي فأكابـــــــــــد لحــــــــرمانهــــــــــــا
لا أبالي أن أظهر ضعفي أمامها
ولو كتمتـــــــــــــه أمـــــــــام أخراهـــــــــــا
أتزفر رنة اليـــــــــــــأس وحيـــــــــدا
من طلوع الشمـــــــــس إلى غروبهـــــا
وحين يتنفّس الصبـــــــح بضوئه
ويعسعس الليــــــالي مع ظلماتهـــــــــا
أفتّش في جمعيــــــــــــة البنـــــــــات
ولو أنهن بناتي عن الصورة كمثلها
أقيد أمواج صدري في حشــــائي
وأصــده عن كشفهـــا وإفشائهــــــــا
أحسها رأفة و وجدانا كل لمحة
ولو أرائي النــــــــــــاس نسيانهــــــــــــا
كيــــــــف يعيـــــــش الحزين فــــــي
هذه الدنيــــــــــا المليئــــة بأسرارهـــــــــا
ومن لي يقــــــوم بي إذ العجب
كيف عشت أعواما عقب هجرانهــــا
يهنئني الرفقـــــــــــاء في كل عيد
هل يعرفون كيف العيـــــــد بدونهــــــا
يريدون أن يشــــــــــــاركوا فــــــــي
همــــــــــومي فيحــــــاولون إزالتـهــــــــا
فشكرا لهم لسعيهم ولطولأيدهم
لإحياء فريسة المأساة و رزاياهــــا
فأجيب تهنيتهـم بكل حـرارةولو
لم يطفأ الوقود في الحشا لفقدانهـا
قد أعيش لا كرجــــــــــال الجهـــــل
تغتنم بسرور الحيـــــــــاة و ثروتهـــا
ولم أغنم كالرجـــــــــــال الأكياس
بكسب العــــــــــــلا و مفاخرهـــــــــــــــــــا
ولم أودفريضـــــــــــــة الصلوة
يوما بدون سهو في سجداتهــــــــــا
تنســـــــــــل ذكـــراها في الصلوات
وتخلل خلال تأديــــــــــة أركانهــــــــا
ولو لم تكن خللت بي الأفكــار
لأصبحت من ذوي الصوفية كما يسمونها
لِمَ لم أجن بعــــــــــــــد وفاتهــــــــا
هل يفيدني الحياة متجاورا بحافرتها
لا يجيبني أحد فهل يقول لــــــي
ولو همســـــــا معنى البقاء رميمهــــــا
أنكِ نهلت جرعــــــة الموت قبلي
واشرب مُرة الحياة أحيانا بكؤوسهـــا
تقشعر أشعار بدني لما أشعرأن
بنتي في الثرى وتبلى محاسنهـــــا
فاستعين من الله و أدعو ثبـــــتأقدامنا
وأنزل علينا الصبر على ذود همومها
إذ عباد الرحمن يحبون العفـــــــو
فكيف لا أرجوه من الله لخطاياهــــــــــا
اللهــــــــم ارحمنا وارحـــــــــــم البنت
كانت عينها مقبلة النواحي بوالديها
واجعل التراب لينا على مثواهــــــا
واجعل الصخرة مشفقة على ترائبها
اللهــــــم نور قبرها وأوسعــــــــــــه
رب ارحم عليها واغفر معاصيهـــــــــــا
ربنا لا تجعل أي بيت خاليـــــــــــا
من قرة العين ولا تخل مهد أمهاتها
مع ذلك لا يمكن لي أن أنساها
ولو أنافس الحياة المملوئة برزاياها
 
يوم الخميس
20/ 10/ 2015 م

No comments:

Post a Comment